عُقدَةُ التَّجاوُز
في يومٍ مّا ومع تنفّس الصباح، يأتي ذاك الرجل وقد الْتواه الهمّ انكساراً، باحثاً عن التنفّس عمّا يكربه، ومُذهِباً الكَمد الغاشي على صفوان القلب، ومُهذّباً الروح لترقى للماجدة، فيبوح لأخيه حالهُ متذمراً من حالهِ، مستشعراً ما ألـمّـه من التغير نحو الدنو، ساعياً للحَـلّ مما حَلّ، مستعيداً الحُلو المعهود، مستعيذاً من المرّ الموجود، سائلاً أخوه: هل تعرف شيخاً يرقي من البلاء، ويرفع الداء بأيّ دواء؟
فيجيب المسؤول -العارف بحال السائل- قائلاً: أعرف الله! هو رافع الداء ومسخّر الدواء ...
ثم نوّه على أنّ من نِعم الله على العبد الالتفات لمحاسبة النفس حتى يستدرك، ومنه قول الله: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾، يقول الطبيب ابن القيم: "وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها واتّباع هواها"، وأن الندم الحاصل بالقلب منقبة وعلامة ارْعِواء، وقال ﷺ: (النَّدَمُ تَوْبَةٌ) رواه أحمد برقم 4012 وغيره .
إن العُقدة المستعصية لدينا ويحسن بنا البِدار لانتزاعها؛ هي عُقدة التّجاوز، فمتى هَيْمنَ الهمّ، واسْتأسَد الغمّ، وتبدّلت الحال، وخيّم الحزن، واحتلّ الأسف، وجَدّ الطارئ، واختلّت الموازين؛ فزِعنا إلى عبـد ضعيفٍ مثلنا ممـن لا يملك رفع البـأس، بـل بِـهِ من البأساءِ والضراءِ مـا يوازي ما لدينا أو أِد، ونعدِل عن الملتجأ ومن يكوِّر الأمور ويقلّبها كيف يشاء، فلمَ انتكس المفهوم وصِرنا نتجاوز القريب لعبده المجيب لسائله مع العلم والإيمان بقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾؟! إذن، فلـنُـلْحق العلم والإيمان بالعمل.
ثم أتْبعَ جوابه بلفت النّباهة والاستيقاظ للعناية بـ"بالتحسين"، تحسين العلاقة مع الله، فهو الأمان من الكربة، والمفزَع لكشف الغُمة، وأَنّ الشّعث والتفرّق الذي يلتمّ القلب بسبب اجْتِراح السيئة مع السيئة والغرق في وَحْل المعصية وهو الداء الدّوِي الذي يعصِف ويعسِف، وهُنّ ماحقة البركة وعِلل الشقاوة، ولا ينـزاح ذلك كله إلا بدعائه ﴿ادْعُونِي﴾ والْتزام ذِكْره الذي به ﴿تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ وقراءة كتابه الذي هو ﴿شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ﴾، والانتهاء عند حدوده التي قال عنها: ﴿فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾، فالتوفيق للخير والصرْف عن الشر = من عندِ الله، فلمَ استقصاد غيره ممن هو دونه؟
إنّ الداعي للبحث عن مفاتيح السعادة هو النتيجة والعاقبة من اكتساب الذنب، لذا؛ فإن غيمة الألم التي تجْتـاح المذنـب إنما هـي استجـلاب محض منه، والضـدّ بالضد، فالممْتثِل لأمر ربه يجـد بعد الطاعـة انـشراحاً وسعادةً، وتهلّلاً وبِشارةً، فالجزاء من جنس العمل. فهلّا من تنبُّهٍ للداء حتى نُشخص الدواء؟
قيّضَ الله القلوب وشرح الصدور، وألهمَنا البصيرة، وهدانا صراطه المستقيم للعودة إليه.
أخوك
الباحث الشرعي
محمـد آل وحيّـد
23/3/1438هـ