يقول المتنبي، الأسطورة في الشعر والحماسة والأدب:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
قد تحرمنا المسافات معايدة الأحبة في الأفلاج الغالية، أفلاج الرجال والأجيال؛ ومع ذلك البعد، والفراق الطويل والمؤلم بعد رحيل والدي ووالداتي، أشعر بجمال العيد صورةً زاهيةً وخالدةً في أعماقي.! فمازلت أتذكر الهدار، وليلى الغربية؛ مازلت أرى في مخيلتي تلك الوجوه الطيبة، والابتسامات العذبة التي غيبتها الأقدار والزمن..!! مازلت أحس باجتماع الأهل والإخوة والأصدقاء، وعناق اللقاء، في المساجد والشوارع وكل أماكن البهجة التي صنعها الإنسان الأفلاجي الطيب والكريم. كل الأفلاجيين في العيد أهل وأحبة، وتظللهم خيمة المودة، ورقة المشاعر، وجمال اللقاء.
وما زلت كذلك؛ أتنفس رائحة العطور والبخور الأفلاجي الذي ينساب من مجالس الكرم، ويتسلل فوق أسطح البيوت معبراً عن خيوط الفرح في آفاق مفعمة بمعاني الود النقي الخالي من مكاسب الدنيا ، ومطامع المال، وملذات الحياة.
واليوم، وبعد كل ذلك الابتعاد عن الأفلاج لظروف العمل الإعلامي والحياة؛ أوجه رسالةً خاصةً للشباب في هذه الأيام باستثمار جمال المجتمع الأفلاجي الذي يصنع البهجة، وينثر المودة في كل الأنحاء والأزقة والأماكن، وذلك بالالتفاف الأسري، والتكامل المجتمعي من خلال قادة الأنشطة والمبادرات الاجتماعية والأهلية. استمتعوا بالأفلاج أهلاً ومجتمعاً؛ فلن يجود الزمان عليكم بأفلاج مثله؛ وعيشوا أفضل وأروع اللحظات في كنف أهلكم؛ فاللحظات الأجمل في حياة الإنسان هي تلك التي كانت في صباه، حيث يجد الوقت والنشاط لممارسة كل أطياف الفرحة والابتهاج.
أوصيكم بالأفلاج حياً وميتاً، فهي مدينة حاضنة ووادعة، لا يمكن أن يعادلها في سر جمالها شيء في هذا الكون..!
أقول ذلك وقد سافرت لمعظم دول العالم؛ ولكن لم أجد في أعماقي ووجداني لذةً تضاهي تلك الأيام التي صنعتها الأفلاج في مخيلتي؛ فأصبحت اليوم كالأطلال أراها في الأحلام.! وقد كانت ذات يوم واقعاً توقعت أنه لن يغيب؛ أو يتلاشى ثم يزول..!!
أيها الشباب.. أهلكم وأفلاجكم؛ أمانة في أعناقكم، فاجعلوا العيد معهم صورةً لا تغيب مهما تغير الزمن؛ ومهما كبرتم وتقدم بكم العمر.
للأفلاج عيد جميل بالأهل والأصدقاء والصحبة؛ فياله من عيد، ويالها من ذكريات مرت كطيف سرق من وجداننا الكثير، وأبقى في أعماقنا الشوق الملتهب والمتجدد عاماً بعد عام.